هل يختلف سلوك الفرد عن سلوكه عندما يكون في جماعة؟ وكيف يحصل الاختلاف؟ وما هي مصادر السلوك الجمعي؟ وهل يمكن التأثير عليه إيجابًا أو سلبًا؟ وكيف نقرأ الأحداث والتحركات الجماهيرية الحاشدة؟ وما هو الدور الملقى على عاتق المربين والمصلحين؟ تحاول هذ المقالة الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال علمي النفس والاجتماع.
مقدمة:
كثيرًا ما تفسَّر التحولات المفاجئة والأحداث الكثيرة التي تحصل في فترات الحروب والانقلابات والثورات على أنها نتيجة سياسات مخططة، لكن الدراسات تكشف عن أسباب أخرى وراء هذه الأحداث؛ وهي التغيرات التي تصيب أفكار الجماعات والأفراد، وبما أن الفترة الحالية في منطقتنا تمثل فترة انتقالية وفوضوية، لذا قد يكون من المناسب دراسة السلوك الاجتماعي، دراسة تحليلية تفسيرية لفهم آليات الانتقال والتغير والاستقرار.
ويتساءل مراقب: على أي صيغة وشكل ستكون مجتمعاتنا التي هبّت فيها الثورات؟ فدخول الشعوب في الأحداث السياسية، وتحولها من الانقياد إلى المشاركة أو التأثير في القيادة يمثل تغيرًا في واحدة من الخصائص التي كانت تحكمها قواعد المكانة والوظيفة المحددة، وهذا التحول صفة من صفات عصرنا. والتجمعات التي انخرط فيها الأفراد -حتى وإن لم تكن مثالية- فإنها تجمعات واعية لمصلحتها العامة، ولها مطالب عامة تتمثل في تغيير أنظمة الحكم العسكرية المستبدة إلى أنظمة حكم رشيدة، وإنهاء الفساد الإداري، والمطالبة بالعدالة والحرية. والأفرادُ عمومًا في هذه التجمعات يميلون للعمل ولا يميلون للتأمل والتفكير المجرد، والتنظيم يجعلهم قوة لا تقاوم.
ولو أردنا التفصيل قليلاً في فهم السلوك الإنساني فإننا نقول: إنَّ الإنسان يولد ضمن جماعة عاجزًا عن تلبية حاجاته بمفرده، فوجوده واستمراره في هذه الحياة مرتبط بوجود الآخرين من حوله، فبحركته في الحياة تُلبَّى حاجاته وتتوفر متطلباته، وتحقَّق المحافظة على أمنه وسلامته، وهو في ذلك يتأثَّر بهم ويؤثِّرون به، فتنشأ بينه وبينهم علاقات اجتماعية تفرضها طبيعة الحاجة وظروف المرحلة التي يمر بها، وبذلك تتأثر ذات الفرد بالمحيط الاجتماعي من حوله، من خلال المواقف التي يتعرض لها مع الآخرين.
حياة الإنسان وشعوره بذاته رغم أنها تولد منفصلة عن ذوات الآخرين إلا أنها تتأثر بهم ولا تفصح عن إمكانياتها إلا ضمن البيئة الاجتماعية التي تحدِّدها، وهذا ما يجعل (الأنا) الفردية (أنا) اجتماعية في صميمها وجوهرها
تعليقات
إرسال تعليق