تتطلع الشعوب المقهورة إلى النهوض واستعادة كرامتها وتحسين أوضاعها، فتخوض التجارب وتبذل التضحيات، ومع طول الطريق وشدة اللأواء يتساءل الناس: كيف السبيل؟ ومن أين يبدأ الطريق؟ والله تعالى بيّن لنا أن التغيير سنة من سننه التي لا تتخلف ولا تحابي، فما هي شروط التغيير؟ ومتى يأذن الله به؟ وما الذي علينا فعله؟ تضيء هذه المقالة بعض هذه الجوانب
?إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ? [الرعد: 11]
من شروط التغيير[1]: العقيدة أولاً:
ما من شكٍّ في أنَّ أي تغييرٍ لا بدَّ أن ينطلق من فكرة مبدئية؛ لأن الأفكار تبقى هي المحرك الأول لأي عمل أو جهد يزمع الإنسان القيام به. لكن ما هي الفكرة المبدئية الصحيحة الموافقة لسنة الله في الخلق، والتي لا بد منها لحصول التغيير المنشود في مجتمع من المجتمعات؟
إنَّ فكرة العقيدة هي الأساس المركزي الذي يستمدُّ مقومات قوته وبقائه من خالق الكون والإنسان، وهو سبحانه أعلم بما يُصلح أمر الكون والإنسان.
فالإيمان بالله عز وجل شرط أولي لبسط النعمة أو العمران (الحضارة) بالمصطلح الاجتماعي، والعمل الصالح الذي يترجم هذا الإيمان إلى سلوك هو صمام الأمان في الحفاظ على هذه النعمة أو العمران. وبناءً على هذا فإن العقيدة الصحيحة عامل جوهري في التغيير الاجتماعي نحو العمران[2].
» النواة الصلبة المؤثرة:
على أن التغيير الطموح لا يمكن أن يتحقق أو يُكتب له النجاح حتى تستجيب له فئةٌ مصلحة من الناس، تكون بمثابة النواة الصلبة التي تهيئ الأرضية والمناخ المناسب للأخذ بأيدي الأغلبية من أفراد المجتمع وتحويلهم نحو الإسلام عقيدةً وسلوكًا، بحيث تعمل على بقاء الدعوة حيةً نابضةً في صميم المجتمع.
فوجود هذه العُصبة المؤمنة ضروريٌّ لضبط برنامج التغيير، لتُمنح كلُّ مرحلة من مراحل العمل حقَّها من الوقت، دون تفريط يضيِّع الوقت، ويميِّع القضية، ويحرفها عن مسارها الصحيح، ودون إفراط باختصار الوقت، وحرق المراحل، واستعجال الثمرة أو النتيجة؛ لأن هذا قد يجهض العملية إجهاضًا كاملاً. فعمل هذه العصبة من هذه الناحية يشبه عمل المهندس الحاذق الذي كلما أنجز مرحلةً من مراحل البناء قام بفحصها وتقويمها، لكي يستيقن أنها قامت وفق المخطط المرسوم، وأنها أُنجزت حسب المواصفات والمقاييس الفنية المعتبرة، وأنها تتماشى مع البرنامج الزمني المحدَّد للمشروع[3].
تعليقات
إرسال تعليق