جديد 2022

 


تطالعنا المطالبات بحقوق المرأة من كل جانب، كما تعلو أصوات أخرى تُقلل من شأن هذه المطالبات بالجملة وتعدُّها نوعًا من الغزو الفكري المنحرف والتأثير الثقافي السلبي، ويتساءل العقلاء: هل المرأة مهضومة الحقوق فعلاً؟ وهل ظلمها ما زال قائمًا حتى اليوم؟ وما أبرز ملامحه؟ تحاول المقالة الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال مكونٍ من مكوناته المهمة.

تعدُّ مشاكل المرأة من أكثر المشاكل الاجتماعية التي تتحدث عنها المجتمعات العربية والإسلامية، وتتسبّب في الكثير من الاستقطابات الحادّة، وتُحمل فيها المسؤولية وتُكال التهم وتُرمى حول الظلم الذي تتعرَّض له على الرجل تارةً، وعلى المجتمع تارةً، أو حتى على الدين تارةً أخرى.

وبينما يُنكر البعض وجود مشاكل تعيشها المرأة اليوم أو يقلّلون من حجمها وأهمّيتها، يرى آخرون أنّ وضع المرأة لا يختلف عن وضع الرجل في مجتمعات أنهكتها عقودٌ من الاستبداد والتخلّف والاستعمار، بينما يعتبر البعض أنّ كلّ ظلمٍ تعيشه المرأة ما هو إلا نتيجة مؤامرةٍ خارجية لإبقاء المجتمعات العربية تحت السيطرة، وقد يرى غيرهم أنّه لا خلاص للنساء من مشكلاتهنّ إلّا بالتمرّد على كلّ الأعراف والتقاليد واستنساخ واقعٍ جديد مستورد كما في الدول الغربية.

ويبدو السؤال الأهمّ غائبًا عن الساحة، هل تعيش المرأة العربية ظلمًا واضطهادًا؟ وهل تتحمل مجتمعاتنا العربية والإسلامية المسؤولية حول وقوع هذا الظلم؟

مع تشعّب مشاكل المرأة وتعقّدها وعدم القدرة على الإحاطة بها في هذا المقال، كان لا بدّ من الإضاءة على زاويةٍ معيّنة تركِّز على شريحةٍ قد تعتبر من الشرائح الأكثر استضعافًا بين النساء، في محاولة لاستعراض واقعهنّ الحالي والتنبيه على بعض المشاكل التي يعانين منها[1].

شاعت في مجتمعاتنا أفكارٌ مغلوطةٌ تناقلها المجتمع رجالاً ونساءً، دون التمحيص في مدلولاتها وما فيها من غبن وظلم؛ ففقدان الزوج في أيّ أسرة نتيجة وفاة أو طلاق؛ قد يُلقي على الزوجة وصمةً مجتمعيّةً سلبية، وأحكامًا قاسية، وشكوكًا واتِّهامات، ومن ثم وصايةً غير مشروعة

سطوة الثقافة المجتمعية على المطلقات والأرامل:

تمارس الثقافة المجتمعية[2] السائدة حالة من الوصاية على المطلّقات والأرامل بشكل مخصوص، تسعى فيها إلى فرض القيود وإحكام القبضة عليهنّ وحرمانهنّ من بعض حقوقهنّ، وتظهر هذه الوصاية في أشكال عدّة، منها:

الوصمة المجتمعية:

شاعت في مجتمعاتنا العربية المسلمة أفكارٌ مغلوطةٌ تناقلها المجتمع بمختلف شرائحه رجالاً ونساءً، دون التمحيص في مدلولاتها وما فيها من غبن وظلم، ففقدان الزوج في أيّ أسرة نتيجة وفاة أو طلاق؛ قد يُلقي على الزوجة وصمةً مجتمعيّةً سلبية، لا نجدها في الحالة المعاكسة -عند الرجل- وخاصّة في حالات الطلاق.

ولعلّ أشدّ مَن ظَلم الأرامل والمطلقات في هذا الخصوص هم النساء أنفسهنّ، حيث غالبًا ما تطبّق النساءُ أحكامًا قاسيةً على المطلّقات والأرامل، ويتم تصنيفهنّ وكأنهنّ مصدر خطر، أو وسيلةٌ لخراب البيوت والأسر، وكأنّ إحداهنّ ستخطف الزوج من عائلته وتوقع به في شباكها وتشارك عائلته الاهتمام والموارد المالية!

وتختلف أشكال الوصمة الاجتماعية التي تُحيط بالأرامل والمطلّقات من مجتمع لآخر، وقد تكون أقسى مع المطلّقات منها مع الأرامل اللواتي يَنظرُ لهنّ المجتمع بنوعٍ من الشفقة والتعاطف، إلّا أنّه من الشائع أن تُصبِح هاتان الشريحتان تحت أنظار المجتمع ومراقبته، تزيدُ حولهما الشكوكُ والاتهاماتُ خاصّة في الجوانب الأخلاقية، حيث يَعتبرُ البعضُ أنّ انحراف الأرملة والمطلقة وجنوحهما عن جادّة الصواب أسهل من غيرهما، فيراقبُ تحرّكاتها وتصرّفاتها وسلوكها وإدارتها لأسرتها وأطفالها.

تقول إحدى الأرامل: «لم أكن أفكّر بالزواج إطلاقًا، بل أردت أن أربّي أولادي وأعوّضهم بعد استشهاد والدهم، لكنّ الحياة في المخيم كانت قاسية عليّ وعلى أطفالي، كان الجميع يراقبني نساءً ورجالاً، وأصبحت مطمع غالبية الرجال ومحلّ خوف جميع النساء، وبدأ الغرباء يتدخّلون في شؤوني عندما أدخل وأخرج أو أسعى لإعالة عائلتي، لم يكن الأمر سهلاً عليّ، ولم أجد مهربًا منه إلّا بأن أقبل أن أكون الزوجة الثالثة لأحد مَن تقدّموا لخطبتي، فقد كانت خياراتي قليلة، وكان هدفي من الزواج أن أحمي نفسي من ألسنة الناس ونظرات الشكّ»[3].

تعليقات